قصة بعدها قصة
الحمد لله الذي قص أحسن القصص، وأرشدنا لأساليب التربية، وجعل لنا أمثالا تربوية خالدة إلى يوم الدين في كتابه العزيز.
تتعدد أساليب التربية وتختلف الآراء وينقسم الخبراء إلى فريق يدعو للحزم والعطف وفريق يدعو لاستخدام العصا في أحايين مختلفة، وبين هؤلاء وبين أولائك يبقى قرارك أنت وهدفك، ماذا تريد أن يكون نظامك مع أبنائك؟ ما هي العلاقة التي تريد الوصول إليها بعد ٢٠ عاما عندما تبلغ من العمر ٤٠ أو ٥٠ عاما؟ هل تريد ابنا ضجر من قمعك له واستبدادك بالرأي حتى فيما يخصه شخصيا؟ أم ابنا منجذبا إليك يتحرق شوقا للقياك وليسمع نصائحك ونقاشك!
الآن بعد ٥ سنوات من القراءة في عالم التربية والطفولة ولقاءات مع مختصين ودورات في مجال التربية، وبعد قراءة أكثر من ١٥٠ عنوانا لطفلي ( بلعرب ومانع ) أقول أن الحوار بيني وبين طفلي هو الذي أنار بصيرتي وساعدني على فهم الأسلوب الأمثل للمنهجية التي سنتعاطى بها مع مجريات الحياة، إن قراءة القصة أصبح منهجا ثابتا لدى طفلي قبل النوم ووقت الظهيرة وكل طفل منهما يأتي بقصتين اثنتين ونعيد قراءتهما يوما بعد الآخر، إن الأطفال ينمون بسرعة لا تصدق ونمو العقل والإدراك فوق الوصف، من المواقف التي تمر علي أثناء قراءة القصة أن أقلب صفحتين خطأ ولا أنتبه لذلك فيوقفاني، مهلا أبي هناك صفحة لم نقرأها وهذا يحدث بكثرة معي ومع والدتهما، هذا أمر يدل على استيعابهما وحفظهما للقصة، أذكر أيضا الْيَوْم الذي قال فيه بلعرب: الْيَوْم دوري لأقرأ القصة، فأخذ قصة جميلة يعشقانها وبدأ بتلاوة النص ( مع العلم أنه لا يقرأ ما زال يتعلم الحروف ) حرفا حرفا لم يفوت من النص إلا النزر اليسير الذي لم يخل بالمعنى، هذا الموقف ومثله مواقف كثيرة جدا أثبتت لي بأن الطفل باستطاعته تعلم اللغة من خلال القصة، لذا فانتقاء القصص ذات الجودة العالية مهم وطريقة قراءة القصة مهم والأهم من ذلك كله إيمان المربي بأن ما يقوم به هو مشروع العمر هو منهج الحياة في تربية جيل ينهض بالأمة لا يقنع إلا بمعالي الأمور.
وأنا أكتب هذا النص في الوقت المخصص للعب الحر والذي فيه كل فرد في العائلة يقضي وقته فيما يناسبه أرى أمامي بلعرب وهو يصنع مدينة بأعواد الخشب والسيارات وأشرك في لعبه الحيوانات وكل ما من شأنه أن يكوِّنَ مملكته الخاصة، في الجانب الآخر هناك مانع الأصغر ذو الأربع سنوات يقلب سلسلة قصص حنتوش وحنتوشة وقد قرأ أكثر من ٦ أجزاء وقد أتى بمعظم المحادثات في القصص، هذا الشغف العجيب بالقصة موجود في قلب كل طفل فقط يحتاج منا أن نغذيه ونعيش معهم في جوهم الاستكشافي وأن نشجع القراءة وتحببهم فيها فالآن هو الوقت الأنسب لتغذية العقول وتنشيطها لمستقبل لا ندري ما تخفي لنا الأقدار فيه إننا نربيهم الْيَوْم ليس لمعطيات الْيَوْم بل لمعطيات ٢٠ عاما قادما من التطور والازدهار والحداثة المتسارعة في هذا العالم الموحش.
إن هذا الموضوع لا تكفيه هذه العجالة، ولا تستوعبه هذه التغريدات، إن من يعيش في هذا العصر عليه الانتباه لطرق تعامله مع أبناءه ولينظر إلى الوقت الذي يقضيه مع أبناءه وكم من الوقت المهدر لديهم وكم من الطاقات غير المستغلة تضيع من عمرهم حتى ينتبه الطفل وقد أصبح رجلا بلغ العشرين من عمره.
هناك الكثير من المواقف والكثير من الآراء التي مرت علينا عسى الله أن يمن علينا بفضله ونستطيع مشاركتها إياكم علّنا نستفيد من نقدكم وتوجيهاتكم لنا فالتربية حقل واسع بل حقول متعددة تجد هذا خصب بكذا وذاك منتج بكذا فتحصد ما تراه ذَا نفع لك ولأهل بيتك.
( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا)
إلى لقاء آخر بعون الله.
سلطان بن سليمان الإسماعيلي
الرئيس التنفيذي لمكتبة ورق
أب لثلاثة أطفال
30 / شوال/ 1441هـ
*فريق مكتبة ورق*